تعريف علم اللغة: كلمة لغة استعملت بمعنى غير الذي نقصده الآن وعوضاً عنها استعملت كلمة لسان . استخدمت كلمة لغة للدلالة على اللهجة الدارجة لدى قبيلة من القبائل ، أو في بيئة عربية محددة . عرف ابن سنان الخفاجي في كتابه (سر الفصاحة) اللغة قائلاً : اللغة هي ما يتواضع القوم عليه من الكلام . (1) عند ابن جني: اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. يؤكد ابن جني في هذا التعريف بأن اللغة ظاهرة صوتية، وأن لها وظيفة اجتماعية ، هي أنها تربط بين أفراد المجتمع، وأن لكل مجتمع لغته الخاصة . عند(دي سوسير) يرى (دي سوسير) : اللغة نظام ذهني يتم بموجبه ربط العناصر اللغوية، سواء على المستوى الفونولوجي أو الصرفي أو النحوي.(2) علم اللغة هو :العلم الذي يبحث في اللغة ، ويتخذها موضوعاً له ، فيدرسها من النواحي الوصفية ، والتاريخية ، والمقارنة ، كما يدرس العلاقات الكائنة بين اللغات المختلفة ، أو بين مجموعة من هذه اللغات ، ويدرس وظائف اللغة و أساليبها المتعددة ، وعلاقتها بالنظم الاجتماعية المختلفة .(3) و علم اللغة هو :دراسة اللغة على نحو علمي .(4) v وظائف اللغة : للغة وظائف هامة في المجتمع، ومن أهم هذه الوظائف وظيفتان هما: 1ــ أنها وسيلة للاتصال بين أفراد الجماعة اللغوية الواحدة، ولإيضاح معنى هذا الإصطلاح وكيف يتم نورد المثال الآتي: فإذا افترضنا أن لدينا متكلماً نرمز له بالحرف (أ ) وسامعاً نرمز إليه بالحرف (ب) وأن ( أ) يريد أن يقول ل(ب) شيئاً ما، وأن (ب) سيفهمه، هنا حدثت عملية اتصالية عن طريق اللغة ، وتتكون من الخطوات الآتية: أــ اختيار الدلالات. ب ــ اختيار الأنماط النحوية . 2ــ تعد اللغة وسيلة للتعبير عن الحضارة التي تعيش بين ظلاليها، ذلك أن اللغة هي التي تعبر وتفي بأغراض هذه الحضارة فاللغة العربية بعد ظهور الإسلام _ بدأت تعبر الحضارة الإسلامية ، فأوجدت مصطلحات جديدة تعني بأغراض هذه الحضارة مثل: الزكاة والصوم والشهادة والصلاة والركعة والتشهد. وهذا لا يعني أن لغة ما أفضل من لغة أخرى لأنها تعبر عن حضارة أخرى معينة ، أو أفضل من حضارة أخرى ، ويؤكد اللغويون أن كل لغة، تفي بحاجات الحضارة التي تخصها ولكنها قد تكون غير وافية إذا ما استخدمت للتعبير عن حاجات حضارة أخرى. والتعبير المفضل عند المتكلمين بلغة معينة هو في الواقع تعبير مفضل في إطار الحضارة التي تستخدم تلك اللغة ، ولكنه قد يكون تعبيراً غير مقبول أو غير مفضل إذا _ استخدم في نطاق حضارة أخرى. إذا زعمنا أن اللغة الفرنسية هي أكثر اللغات تمشياً مع المنطق فإن ذلك يستتبع أن نزعم أيضاً أن الحضارة الفرنسية أكثر تمشياً مع المنطق ، والواقع أن اللغة الفرنسية ليست أكثر اللغات منطقية ولا حضارتها كذلك ،إذن ليست هناك لغة يمكن أن يقال عنها إنها أكثر اللغات تمشياً مع المنطق، أو أنها أكثر منطقية من أية لغة أخرى ، والسبب في ذلك أن كل لغة تبدو منطقية بالنسبة للمتكلمين بها وذلك لأنها خير وسيلة تعبر عن الحضارة . (5) 3 ــ وصف ما وصل إلينا من اللغات البشرية ، و التأريخ لها ، وتقسيم اللغات إلى فصائل وعائلات ، و إعادة صوغ اللغات الأم ، لكل هذه الفصائل ، قدر الإمكان . 4 ــ البحث عن القوى المؤثرة في حياة اللغات في كل مكان ، و اكتشاف القوانين العامة ، التي تفسر الظواهر اللغوية الخاصة بكل لغة . 5 ــ تحديد مجالات علم اللغة ، و البحث عن تعريف مناسب لهذا العلم .(6) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المراجع : (1)كتاب مدخل إلى علم اللغة. تأليف د / إبراهيم خليل.ص 14ــ 15.(2، 5)كتاب دراسات في علم اللغة الوصفي و التاريخي و المقارن. تأليف د /صلاح الدين صالح حسنين .ص 35 و 38 و 40 و 41 . (3، 6)كتاب المدخل إلى علم اللغة.تأليف د / رمضان عبد التواب.ص 7 و 8 . (4) كتاب في علم اللغة العام .تأليف د / عبد العزيز أحمد علام.ص12
الخميس، 26 ديسمبر 2013
اللغة والمجتمع
اللغة و المجتمع لقد وجه الباحثون عظيم عنايتهم ، في دراسات حديثة عن التنوع اللغوي ، عادة عن طريق الاستبيانات لإثبات تفصيلات بعينها للبعد الاجتماعي للناطقين ، وكلما وضعنا في الحسبان مثل هذه التفضيلات كان في مقدورنا إنجاز دراسة عن اللهجات الاجتماعية التي هي تنوعات لغوية ، تستعملها مجموعات تتميز على حسب الطبقة ، و التعليم ، و المهنة ، و العمر ، و الجنس ، وعدد المقاييس الاجتماعية الأخرى . v التعليم و المهنة و الطبقة الاجتماعية .من المهم أن تعلم على سبيل المثال ما إذا كانت مجموعة من الناطقين يشتركون في بعد تعليمي واحد ، فقد وجد في بعض المسح اللهجي أنه بين الذين تركوا النظام التعليمي في سن مبكرة ، ميل عظيم لاستعمال صيغ غير شائعة نسبياً في كلام الذين واصلوا تعليمهم حتى الكلية ، فتعبيرات تشمل على نحو : Them boys throwed thin أكثر شيوعاً في كلام المجموعة الأولى عن الأخيرة ، وتفسير ذلك فيما يبدو أن الشخص الذي يقضي وقتاً طويلاً خلال الكلية أو الجامعة سيميل إلى التحدث بملامح لغوية مأخوذة من معايشته الطويلة للغة المكتوبة ، و الشكوى أن بعض الأساتذة "يتكلمون مثل الكتاب" إدراك لشكل غالب لهذا النفوذ influence . ومما يتصل بالتعليم ، الاخنلافات الوظيفية ، و الطبقة الاجتماعية ، التي لها بعض التأثير على كلام الأفراد ، فلكل وظيفة قدر معين من لغية يصعب فهمها على غير أهلها ، و من الأمثلة الدالة على دور المهنة في تحديد الكلام . نداء النادل على : a Bueket mud – draw one – hold cow . في مطعم ، تنوع على طلب العميل "أيسكر يم بالشيكولاتة ، قهوة بدون مبيض" . و قد ربطت دراسة مشهورة قام بها لابوف (1972) بين عناصر من مكان الوظيفىة و المستوى الاجتماعي الاقتصادي ، بالنظر إلى فروق النطق بين البائعين في ثلاثة محلات بمدينة نيويورك ، ساكس (مستوى راق) ، ماكيز (مستوى متوسط) ، وكلينز(مستوى متواضع) ، وقد وجدت بالفعل فروق قياسية ، وفي الإنجليزية البريطانية حيث تتسع فروق الطبقة الاجتماعية في الكلام بصورة ملحوظة أكثر من الولايات المتحدة فإن استعمال [n] مقابلاً لصوت [j] ing ــ في نهاية كلمات مثل يمشي Walking ، يذهب going ، يشيع بين الناطقين من الطبقة العاملة في تنوعات محلية متعددة أكثر من الناطقين من الطبقة المتوسطة. v العمر ، الجنس .ومع ذلك فحتى في داخل مجموعات من الطبقة الاجتماعية نفسها ، يمكن أن نجد فروقاً أخرى ، تبدو مرتبطة بعوامل مثل أعمار الناطقين أو جنسهم فكثير من صغار الناطقين الذين يعيشون في منطقة معينة يتأملون نتائج المسح اللهجي لمنطقتهم (أجرى المسح مع رواة كبار) ويزعمون أن أجدادهم كانوا يستعلمون تلك الألفاظ, ولكنهم هم لا يستعملونها, فالتنوع بالنسبة للعمر ملحوظ عبر فترة مابين الأجداد والأحفاد, فبينما يظل الجد يتحدث عن صندوق الثلج أو الراديو فإنه سيحيره بعض كلام حفيدته التي تحب أن تأكل ما يكون بالثلاجة وهي تستمع إلى صندوقها المدوى . وأما التنوعات المتصلة بالجنس , فهي بؤرة اهتمام كثير من الأبحاث الحديثة ومن النتائج العامة لعدد من المسح اللهجي أن الناطقين من الإناث أميل من الذكور إلى استعمال صيغ الوجاهة مع تساويهما في البعد الاجتماعي العام وكذلك وجود صيغ مثل he ainnt JJ Idone غالباً في كلام الذكور وصيغ مثل : isn’t he – Ididit في كلام الإناث و في بعض الثقافات توجد فروق أكثر تحديداً بين كلام الذكور و الإناث فقد ثبتت اختلافات بينة في النطق بين كلام الذكور و الإناث في بعض اللغات الهندية الأمريكية الشمالية مثل جروس فنتر وكواساتي وعندما صادف الأوربيون بالفعل لأول مرة من المفردات المختلفة لنطق الذكور عن الإناث بين هنود الكاريي أفادوا أن الأجناس المختلفة تستعمل لغات مختلفة ، فما وجد في الواقع ما هو إلا صورة من تنوع حسب جنس المتكلم . v البعد العرقي . تظهر في داخل المجتمع فروق أخرى بسبب مختلف الأبعاد العرقية وبطريقة أوضح فكلام المهاجرين الجدد وكذلك أطفالهم غالباً سيحمل ملامح مميزة وقي بعض المناطق التي يوجد بها ولاء لغوي قوي للغة الأصلية للمجموعة , سينقل عدد كبير من الملامح إلى اللغة الجديدة, وعموماً فكلام الأمريكان السود ويطلق عليه إنجليزية السود لهجة اجتماعية واسعة الانتشار , غالباً ما تتجاوز الفروق الإقليمية وعندما تقع مجموعة داخل المجتمع تحت شكل من أشكال العزل الاجتماعي مثل ما عاناه الأمريكان السود من التعصب والتمييز العنصري طوال تاريخهم فإن فروق اللهجة الاجتماعية تصبح أكثر تحديداً , ومن الوجهة الاجتماعية فإن المشكلة القائمة هي أن تنوع الكلام الناتج يمكن أن يصمم بأنه " كلام ردئ" ومن أمثلة ذلك الغياب الكثير للرابطة (صور فعل الكينونة ) في إنجليزية السود مثل : they mine إنهم لي , you crazy أنت مجنون , وتتطلب الإنجليزية الفصحى استعمال صيغة (are) في هاتين العبارتين ومع ذلك فهناك لهجات إنجليزية أخرى كثيرة لا تستعمل الرابطة في مثل هذه التراكيب , وكذلك عدد كبير من اللغات (مثل العربية والروسية ) لها تراكيب مشابهة بدون الرابطة , وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تكون إنجليزية السود" رديئة" إلا أن تعتبر الروسية "رديئة" والعربية"رديئة" ولأنها لهجة فهي ببساطة ذات ملامح تختلف كل الاختلاف عن الفصحى. v لهجة الفرد . تتجمع بالطبع كل عناصر التنوع اللهجي الاجتماعي والإقليمي بشكل أو باَخر في كلام كل فرد, ويستعمل مصطلح لهجة الفرد للهجة الشخصية لكل فرد ناطق بلغة,وهناك عوامل أخرىكطبيعة الصوت والحالة الفيزيائية التي تسهم في إبراز الملامح الميزة في كلام الفرد , ولكن كثيراً من العوامل الاجتماعية التي تعرضنا لها تحدد لغية كل شخص فمن النظرة المعيارية للدراسة الاجتماعية للغة ولا اعتبارات كثيرة أنت ما تقول . v المرجع :- كتاب معرفة اللغة . تأليف: جورج يول . ص 241ـــ 245 .
نشأة اللغة .
نشأة اللغة
اللغة ليست أصواتا يعبر بها فحسب بل تمتاز بطائفة من المراكز المخية التي تشرف على مختلف مظاهر اللغة والتي منها مركز إصدار الألفاظ ومركز حفظ الكلمات المسموعة ومركز الكلام ومركز حفظ الأصوات ومركز الكلمات المرئية وغيرها . وقد تعددت أنواع الأصوات وطرق التعبير بتعدد الأمم واختلاف أصواتها فنشأت عن ذلك لغات تفوق الآلاف عدا ، متفاوتة بيانا ومتباينة دلالة ولفظا ، فإن من الأصوات ما هو عاد وسلس عند هذه الأمة وشاق التلفظ به عند تلك (1) . يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، وهو الكتاب الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، في سورة البقرة : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {33}القرة .
هذه الآيات تدل دلالة قاطعة على أن آدم علم لغة في السماء ، علمها إياه رب العزة سبحانه تعليما مباشرا دون وسيط ، وهي لغة مغايرة للغة الملائكة في الملأ الأعلى بدليل أنهم اعتذروا عن فهمها وهي السلاح الذي زوده به الله لحياته المستقبلية على الأرض ، فلما أهبط به إلى الأرض تكلم بها مع زوجه حواء واكتسبها أبناؤه من بعده .
فإذا كنا نؤمن بهذه القصة - ونحن نفعل - فلا بد وأن يكون أصل كل اللغات في الدنيا من يوم خلقها بارئها هي تلك اللغة الأم التي تعلمها آدم في السماء , ولا نستبعد أن تكون تلك "اللغات" الكثيرة التي نشأت فيما بعد هي مجرد لهجات تفرعت عن اللغة الأم - لغة آدم .
وأقدم حضارة في تاريخ الدنيا هي الحضارة المصرية بلا منازع (نطلب التفاصيل كاملة لشرح هذا - موقع الأرقام) , ولغتها المصرية القديمة أقدم اللغات , وقد أسماها أهلها آنذاك لغة "الضاد" .
فتكون هي اللغة التي أهبط بها آدم إلى الأرض .
أما تصنيف الغربيين فيما يعرف باللغات السامية والحامية والهندو أوروبية والطورانية ألخ ....... , فلا يعدو أن يكون مجرد فرضيات وتخمينات ما أنزل الله من سلطان , بل ربما تكون عندهم أساسا لتزوير وتحريف كل تراث المنطقة وتاريخها لمصلحتهم وهم الذين لا تاريخ لهم .
من هذه المحاولات للتزوير الفاضح قولهم الغير مبرهن عليه بأن أصل البشرية هجرات متوالية خرجت من جنوب الجزيرة العربية وانتشرت في منطقة ما بين النهرين وبلاد الشام وانتهى التبجح إلى الادعاء بأنهم خرجوا أيضا إلى مصر , وهذا عندهم ما أسموه بالهجرات السامية , وكأن منطقة جنوب الجزيرة العربية كانت معامل تفريخ للآدميين تصدر كل مدة مئات الآلاف من البشر إلى الشمال وإلى الجنوب , وما زالت أبواق دعايتهم منا نحن تدعى وتؤسس لهذه الفرضية قائلة بأن تحت رمال الجزيرة العربية آثارا لأنهار كانت في يوم من الأيام تجري فيها المياه لتؤسس حضارة وهذا الإدعاء يتهاوى حين نتأمل قاع البحار والمحيطات فسنجد أنه عبارة عن مجار وخطوط تشبه مجاري الأنهار هذا من ناحية ، والأرض بقشرتها كلها نتوءات وتعاريج ولا يوجد عليها أي مساحة مستوية ، فهل كانت كل تلك النتوءات في قاع البحر وعلى سطح الارض أنهارا ؟
فحين كانت اللغة المصرية في بدايتها كانت ولا شيء معها ثم تفرعت عنها كل ما عداها مما يعرف باللغات السامية ، ثم من الأخيرة باقي لغات الأرض آنذاك ومنها اليونانية القديمة التي لا يتعدى عمرها أبعد من ألف وثلاثمائة قبل الميلاد .
وتعلو ثانية أصوات جهولة تدعي بأن اللغة المصرية القديمة لا تشتمل على حروف : ب ث ج د ذ ز ص ض ظ غ ل – وهذا إن دل فإنما يدل على :
أولا : جهل الباحث فيما يبحث فيه وهو اللغة المصرية .
وثانيا : عجزه عن نطق هذه الحروف والتفريق بينها لأنها ليست في لغته الأصلية
وثالثا وليس آخرا : تطبيق معيار ومنهج حديث على لغة عمرها المكتوب يتعدى السبعة آلاف سنة ، فما بالنا بعمرها من يوم نشأتها إلى اختراع الكتابة .
وكل هذا وذاك مردود عليه ببساطة بأن الباحث في اللغة المصرية لا يكفي أن يكون مسلحا بأدوات البحث والعلم فقط بل لابد وأن يكون مصريا أو على أقل تقدير من أبناء ما أسموه باللغات السامية والذين قالوا بأن اللغة المصرية هي لغة حامية ، ومن تعطفوا على مضض بأن قالوا بأنها ربما تكون سامية , نقول لكلا الفريقين أنهم جانبهم الصواب ، لأن اللغة المصرية القديمة هي اللغة الأم التي تعلمها آدم من ربه في السماء تعليما مباشرا ، رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين ، ومنها تفرعت كل لغات الأرض من بعد آدم حتى اليوم ، تتحول إلى لهجة هنا أوهناك ثم تأخذ شكلا أقرب إلى الاستقلالية بعد مئات من الأعوام ، وهكذا ، ورغم تواريها الآن إلا أنها ما زالت تعيش بخصائصها وأسرارها في كل لغات العالم بلا استثناء حتى إلى اليوم .
أما تسمية اللغات السامية بهذا الاسم فهي تسمية غير دقيقة ، ولكنها تحمل في نفسها البرهان على صحة ما سنقول :
فنسبة اللغات السامية إلى سام بن نوح ، وسام بن نوح كان يتكلم اللغة المصرية القديمة وليس أيا من تلك اللغات ( العبرية ، العربية ، السريانية ، الآرامية ، الحبشية ، الأكادية ) فهذه اللغات لم تنشأ وتتفرع من المصرية إلا فيما بعد سام على الأقل بألف سنة
لماذا نقول هذا الكلام ؟
لأن سام بن نوح هو الملك المصري المعروف جدا والذي يبدأ به التاريخ المصري خاصة وتاريخ العالم بصفة عامة , ألا وهو الملك نعرمرمينا – المشهور تحت لقب موحد القطرين وينطق اسمه بالمصرية : سام طاوى . وبناء عليه تكون فكرة بناء الأهرامات قد بدأت ونفذت في زمن هذا الملك , والذي نفذها هو على وجه التحديد أخوه الذي أراد أن يحمي نفسه من الطوفان لأنه لم يؤمن برسالة أبيه نوح ولم يرض أن يركب معهم السفينة . كل هذا يحمل في طياته الدليل على أن تقسيم اللغات إلى مجموعات قائم على أساس خاطئ , ولذا حار المصنفون في وضع اللغة المصرية القديمة في تصنيفها ورتبتها الصحيحة . والذي يجب أن نراعيه في كل ذلك هو أن التاريخ ينقسم إلى قسمين كبيرين :
القسم الأول : من آدم وحتى نوح عليه السلام , وهذه الفترة مهما كان امتدادها فلا نعرف عنها إلا إشارات وردت في الكتب السماوية , وآثارها قد طمرها وذهب بها الطوفان .
القسم الثاني : من زمن نوح إلى وقتنا الحاضر , وآثاره التاريخية الأولى ممثلة في الآثارالمصرية في العصور القديمة ثم بالترتيب في العصور الوسطى وفي نهايتها بوادر حضارات في الرافدين وعيلام وميتان والحيثيين والشام وكنعان والحبشة , ولم يكن في اليمن ولا في أرض الجزيرة العربية حتى هذا التاريخ أي أثر لحياة على الإطلاق (هذا الموضوع يحتاج إلى بحث مفصل قبل البت فيه بهذه البساطة - موقع الأرقام). وكل هذه الأمم متفرعة عن الأمة التي سكنت وادي النيل وغزت المنطقة بأسرها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا . وما كانت تلك الأصقاع في حقيقة الأمر إلا مستعمرات مصرية آنذاك .
فاللغة المصرية كانت أولا ثم تطورت منها مجموعة اللغات السامية ومن هذه المجموعة تكون ما أسموه لاحقا الهندوأوربية أو الحامية أو غيرها .
والفرضية التي كانت تقول بأن الأنسان الأول نشأ على ضفاف الفرات ودجلة في العراق وأرمينية ومن نسله تفرقت أمم في الأرض , إن هي إلا أكذوبة عبرانية (سنوضح لاحقا الفرق بين العبرية والعبرانية ) أطلقها اليهود لأسباب أقل ما يقال فيها أنها سياسية , وستتضح في نهاية هذا البحث .
نقول : تلك فرضية لايقوم عليها ولو دليل واحد من الآثار , لأن أقدم دليل مادى من تلك الحضارة لا يتعدى سنة ألف قبل الميلاد . ونقول بكل الثقة لا سفينة نوح رست في تلك البقعة ولا في المكان المسمى لاحقا- أرارات - في أرمينية , بل إن المكان الصحيح لرسو السفينة هو جبل عرفات والذي يسمى بالمصرية أيضا عرفه أو عرفات أو عروات أو عرارات والذي حرفوه فيما بعد إلى أرارات وأسموا به ذلك المكان في أرمينيا لصرف نظر الناس بعيدا عن مكة المكرمة , وهذه التسمية لهذا الجبل المقدس تعنى في المعجم بوابة السماء أو سلم السماء أو مكان الصعود والهبوط من السماء , إشارة بذلك إلى هبوط آدم على الأرض من هذا المكان أيضا .
وحيث أن الجزيرة العربية كانت ولازالت (رغم الجهود) منطقة فقيرة في الزراعة فقد غادر راكبو السفينة (سفينة نوح) من هذا المكان إلى وادي النيل واستقروا به , بل ربما أنهم عبروا البحر الأحمر بنفس السفينة إلى السواحل المصرية , واستعملوا أخشابها ربما في التدفئة ! , أو ربما دفنوها مع سام طاوى موحد القطرين في مقبرته , ونمت منها فكرة مراكب الشمس المشهورة في الدولة القديمة في مصر , وكل هذا يفسره أولا : فقدان أي أثر لتلك السفينة من جهة , ومن جهة أخرى : تقديس هذا المكان في مكة على طول فترات التاريخ المصري القديم حتى أن البعض يبالغ فيقول بأن الفراعنة كانوا يقدسون الكعبة ويكسونها .
ولنا عود حميد إن شاء الله لكيفية إعمار الجزيرة العربية بأكملها في عصور متأخرة أيضا على يد المصريين .
ولسنا هنا رغم ذلك في مقام بحث لغوي يرجح أو يثبت أولوية اللغة المصرية وأمومتها لكل اللغات , فهذا لم يعد صعب الإثبات , ولكن هذا البحث التاريخى الدينى اللغوى الذي نعالجه في هذا الكتاب سيساهم في التأسيس لهذه الفكرة ويبرهن عليها .
فقة اللغة وعلم اللغة
يهتم فقه اللغة في المعجمات ومشكلات المفردات من حيث معانيها وأصالتها ، ويبحث في الترادف والنحت و الاشتقاق ، كما يهتم في وظائف اللغة وأصلها ، ويدرس الحضارات ويقارن بين اللغات .
وفقه العربيّة بالإضافة لما تقدّم يتناول اللغة العربيّة وفصيلة اللغات الساميّة والاكتشافات الأثريّة ويدرسها بعناية خاصّة لتحديد الموطن الأصلي للسامييّن ، كما يبحث في خصائص اللغات الساميّة وأهميّتها لدراسة اللغة العربيّة ، ويبحث في العلاقة بين اللغات الساميّة والتراث العربي ويدرس الأدب من خلال اللغة ، كما يهتمّ في بالمقارنات الصوتيّة والألفاظ الأساسيّة وبناء الكلمة وبناء الجملة . فعمل الفقهاء عمل تاريخي مقارن .
أما علماء اللغة ، يرتكز عملهم على دراسة اللغة في ذاتها من أجل ذاتها ، ويهتم في التحليل والتركيب اللغوي والتعريف بمستويات اللغة وأنظمتها الصوتيّة والصرفيّة والنحويّة والدلاليّة ، كما يبحث في الدراسات الأدبيّة واللّهجات وجهاز النّطق وصفات الأصوات ومخارجها ، ويبحث العلاقة بين اللغة والعلوم الإنسانية الأخرى ؛ كعلم الاجتماع وعلم النفس بأنواعه و علم التاريخ وعلم الجغرافيا . فعمل علماء اللغة يقوم على الوصفيّة التقريريّة . فعندما يقوم أحد الباحثين بدراسة لهجة تميم فإنه يحاول تتبّع ما ورد فيها من نبر وإدغام وإبدال وإمالة ، بذلك يكون قد اقتصر عمله على لهجة واحدة وفي مرحلة واحدة ،وعندما يتوصَّل إلى النتائج والمعلومات يستفيد منه عالم اللغة في الأبحاث الصوتيّة والتطوّر اللغوي أو الأبحاث الصرفيّة والربط بين الأشياء من حيث تطوّر الألفاظ وما تفيده من المعاني .
وفقه العربيّة بالإضافة لما تقدّم يتناول اللغة العربيّة وفصيلة اللغات الساميّة والاكتشافات الأثريّة ويدرسها بعناية خاصّة لتحديد الموطن الأصلي للسامييّن ، كما يبحث في خصائص اللغات الساميّة وأهميّتها لدراسة اللغة العربيّة ، ويبحث في العلاقة بين اللغات الساميّة والتراث العربي ويدرس الأدب من خلال اللغة ، كما يهتمّ في بالمقارنات الصوتيّة والألفاظ الأساسيّة وبناء الكلمة وبناء الجملة . فعمل الفقهاء عمل تاريخي مقارن .
أما علماء اللغة ، يرتكز عملهم على دراسة اللغة في ذاتها من أجل ذاتها ، ويهتم في التحليل والتركيب اللغوي والتعريف بمستويات اللغة وأنظمتها الصوتيّة والصرفيّة والنحويّة والدلاليّة ، كما يبحث في الدراسات الأدبيّة واللّهجات وجهاز النّطق وصفات الأصوات ومخارجها ، ويبحث العلاقة بين اللغة والعلوم الإنسانية الأخرى ؛ كعلم الاجتماع وعلم النفس بأنواعه و علم التاريخ وعلم الجغرافيا . فعمل علماء اللغة يقوم على الوصفيّة التقريريّة . فعندما يقوم أحد الباحثين بدراسة لهجة تميم فإنه يحاول تتبّع ما ورد فيها من نبر وإدغام وإبدال وإمالة ، بذلك يكون قد اقتصر عمله على لهجة واحدة وفي مرحلة واحدة ،وعندما يتوصَّل إلى النتائج والمعلومات يستفيد منه عالم اللغة في الأبحاث الصوتيّة والتطوّر اللغوي أو الأبحاث الصرفيّة والربط بين الأشياء من حيث تطوّر الألفاظ وما تفيده من المعاني .
الفرق بين علم اللغة وفقة اللغة
فقه اللّغة :
شرّف الله اللغة العربية وأعلى مكانتها بين اللغات عندما اختارها لحمل آيات القرآن الكريم ، وشرّفنا الله إن جعلنا من الأمّة العربيّة نفاخر بها شعوب العالم ، وليس غريباً أن يهتمّ العربيُّ بلغته ويحافظ عليها ويحميها من طوارئ الزمان ، لذا انبرى مجموعة من العلماء القدماء لهذه المهمّة الصعبة ، فقاموا بإعداد الدراسات والأبحاث ،ووسعوا البحث والتمحيص في كلِّ فروع اللّغة ؛من نحو وصرف وبلاغة ونقد وأدب وعروض وفقه اللّغة والمعجمات ، فوضعوا آراءهم وأبحاثهم ونتائج دراساتهم في مصنّفات عظيمة حفظت هذا التراث عبر التاريخ من الضياع والترهّل ، وظلّت نبراساً يهتدي به الدارسون ، ومعيناً لا ينضب ينهل منه أهل العلم والمعرفة والأحفاد في توسع الأبحاث والدراسات المنهجيّة في كلّ العصور .
ولعلّ أهمّ فرع من فروع اللغة هو فقه اللغّة لما له من خصوصيّة في دراسة اللّغة والبحث في نشأتها وتطوّرها وهذا ما سنتحدّث عنه في صفحاتنا القادمة .
فقه اللّغة : هو العلم بالشئ والفهم له ،والفقه في الأصل الفهم ، فقد دعا الرّسول صلّى الله عليه سلّم لابن عبّاس فقال : اللهمّ علّمه الدين وفقّهه تأويله ، أما اللّغة فهي مشتقّة من لغا إذا تكلّم ، وهي أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم . وهذا هو التعريف المعتمد عند الكثيرين من علماء اللّغة ، أما المحدثون فقالوا : هي أصوات منطوقة تعبّر عن الأغراض ، وتعيش بين قوم يتفاهمون بها ، وأن لكلّ قوم لغة . ولا تقتصر اللّغة على الأصوات ، فتدخل فيها الإشارات ؛كإشارات الصّم والبكم وتعبيرات الوجه والصراخ ودق الطبول وغيرها .
وفقه اللّغة في الاصطلاح هو: العلم الّذي يعنى بدراسة القضايا اللّغوية من حيث أصواتها ومفرداتها وتراكيبها ، وفي خصائصها الصوتيّة والصرفيّة والنحويّة والدّلاليّة وما يطرأ عليها من تغييرات وما ينشأ من لهجات ،فيبحث في المعجمات والمفردات من حيث المعنى والأصالة والاشتقاق والنحت والنحت والترادف وغيرها . كما يبحث في وظيفة اللّغة وأصلها ومصادرها . بمعنى أنه العلم الّذي يهتمّ بفهم اللغة ودراستها .
لم يظهر مصطلح فقه اللّغة عند علماء العربيّة القدماء كمصطلح ، وإن كانوا قد تحدّثوا عن موضوعاته في مصنّفاتهم ، ولعلّ أول ظهور لهذا المصطلح كان في القرن الرابع للهجرة على يد ابن فارس المتوفى عام 395 هـ في عنوان كتابه الصاحبي في فقه اللّغة وسنن العرب في كلامها ، حيث نظر للموضوع على انّه دراسة للقوانين العامّة التي تنتظم لها اللغة العربية في مستوياتها الصرفيّة والنحويّة والدلاليّة والصوتيّة ، بعد ذلك ظهر كتاب فقه اللّغة وأسرار العربيّة للثعالبي المتوفى عام 429 هـ ، وفيه يرى أن فقه اللّغة علم خاص
بفقه وفهم المفردات والفروق الدّقيقة في دلالاتها .
واعتبر علماء اللغة ما قامت به مدرسة الإسكندرية القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد من العناية بالنصوص الشعريّة وشرحها وتفسير مفرداتها بحيث تصبح مفهومة للدارسين كأشعار هوميروس يندرج تحت مصطلح فقه اللّغة . كما يدخل في فقه اللغة الميتافيزيقيا التي تبحث في أصل اللغة ونشأتها حسب الاجتهادات الشخصيّة ، كذلك الدراسات التي أقيمت على اللغة السنسكريتيّة وبعض الدراسات التي كانت وقفاً على اللّغتين اليونانيّة والّلاتينيّة في العصور الوسطى .
كما يشتمل فقه اللغة على تاريخ اللغة من حيث موطنها الأول والربط بينها وبين اللغات الإنسانية الأخرى ، ويقوم فقه اللغة بدراسة الأعمال الأدبيّة من الناحية اللغويّة لكاتب أو شاعر من خلال أعماله الأدبيّة من أجل إصدار حكم نقدي سليم .
علم اللغة :
في القرن التاسع عشر خرج بعض العلماء بتصوّرات جديدة حول طبيعة اللغة نفسها وحول مناهج البحث فيها ، هذه التصوّرات كانت بداية لظهور مصطلح علم اللّغة ، وقد ربط مؤرخو هذا العلم ظهوره الحقيقي بالعالم اللغوي الفرنسي فرديناند دي سوسير الذي استفاد من علماء سبقوه في هذا المجال ، ويقول أحد تلاميذ مدرسته : إن اللّغات التي تناولوها في بحثهم قد درسوها لذاتها بوصفها غرضاً من الأغراض العلميّة ، ولم يدرسوها كوسيلة من وسائل المعرفة. ولذلك قال أصحاب مصطلح علم اللغة : إن علم اللغة يركِّز على اللغة نفسها مع إشارة عابرة إلى القيم الثقافيّة والتاريخيّة. وبذلك وصفوا هذا العلم بأنّه دراسة علميّة للّغة ، وهذا يعني تطبيق المنهج العلمي والقائم على ملاحظة الظواهر ثم وضع الفروض النظريّة .
وجد المحدثون من علماء العربيّة أنفسهم أمام مصطلحين فرّق الغربيّون بينهما ؛ الأوّل يعنى بدراسة النصوص اللغويّة القديمة واللغات البائدة ، ويهتم بالتراث والنتاج الأدبي واللغوي فترجمه العرب باسم علم اللّغة ، أما الثاني فيعنى بدراسة اللغة في ذاتها وصفاً تاريخيِّاً ومقارنة ، ودراسة اللهجات والأصوات وهو ما يعرف بفقه اللغة .
قسم المحدثون علم اللغة إلى قسمين :
1 ــ علم اللغة الوصفي : وهو العلم الذي يصف اللغة ويفحص ظواهرها ومظاهرها ؛كدراسة
الأصوات أو التراكيب الخاصّة بلغة معيّنة في فترة زمنيّة معيّنة .
2 ــ علم اللغة التاريخي : وهو تتبّع تطوّر اللغة وتغيّرها عبر الزمان .
رغم هذا التقسيم إلا أن الفصل بينهما في مجال التطبيق صعب للتداخل الكبير بينهما ، فعلم اللغة يستعين بمجموعة من العلوم العامّة ، ولذلك انفتح على علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وعلم الجغرافيا وعلم الفيزياء وعلم الأجناس البشريّة ، لأن عملية التطوّر اللغوي ترتبط بالنشاط العقلي ، واللغة ظاهرة فكريّة عضويّة يمتاز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات ، لذلك لا بدّ من وجود علاقة ترابطيّة بين اللغة وهذه العلوم .
ويؤكد عبد الراجحي أن علماء اللغة يدرسون اللغة لذاتها ومن أجل ذاتها ، كما يدرسون اللغة دراسة وصفيّة ، وعلم اللغة يقسم اللغة إلى مستويات صرفيّة وصوتيّة ونحويّة ودلاليّة ، ويتّخذ المنهج العلمي للوصول إلى القوانين العامّة التي تنتظم اللغة .
إن ما ذكره المحدثون وقالوا أنه يندرج تحت علم اللغة ، ورد في كتاب الصّاحبي لابن فارس تحت مسمّى فقه اللغة ،كما ورد في كتاب المزهر للسيوطي تحت مسمّى علم اللغة ، فالمعنى التراثي لا يفرِّق بين المصطلحين، إلا أن مصطلح فقه اللغة هو الأسبق عند القدماء بينما ظهر مصطلح علم اللغة للتّوضيح والتّركيز على التحليل لتراكيب اللغة ، وكنتيجة حتميّة لهذا التداخل اختلف المحدثون في وضع حدِّ واضح جامع مانع لكل واحد منهما ، مما جعل دارس العربيّة في حيرة من أمره وهو يقف أمام فريقين من المحدثين ؛ الفريق الأوّل لا يفرِّق بين المصطلحين فيجعلهما علماً واحداً ، بينما يرى الفريق الثاني أن كل واحد منهما علماً مستقلاً . ويؤكّد الدكتور محمد مبارك أن علم اللغة وفقه اللغة كلاهما يفيد المقصود ، ويرى الدكتور صبحي الصالح أن الفصل بين المصطلحين عسير لأن مباحثهما متداخلة ، بينما يرى عبده الراجحي إنهما علمان مختلفان فيقول :" فقه اللغة يدرس اللغة باعتبارها وسيلة إلى غاية ، وهذه الغاية هي دراسة الثقافة بما تشتمل عليه من ديانات وعادات وتقاليد وآداب ، ... وكان علماء فقه اللغة يبذلون جهوداً مضاعفةً من أجل الوصول إلى إعادة تشكيل اللغات القديمة الأصيلة ، ومحاولاتهم الوصول إلى الأُصول الأُولى للغة الأم التي تتفرّع عنها اللغات الهنديّة والأوربيّة ، كما ركَّزوا عملهم على المقارنات اللغويّة بالإضافة لاهتمامهم بدراسة تاريخ الكلم.
لم يكتف الراجحي بالتفريق بين المصطلحين بل طالب علماء العربيّة الاتفاق على مصطلح علم اللغة لان مصطلح فقه اللغة لا يشير من قريب أومن بعيد إلى طريقة العرب القدماء ، فضلاً عمّا يحيط به من غموض وما يعتوره من خلاف .
شرّف الله اللغة العربية وأعلى مكانتها بين اللغات عندما اختارها لحمل آيات القرآن الكريم ، وشرّفنا الله إن جعلنا من الأمّة العربيّة نفاخر بها شعوب العالم ، وليس غريباً أن يهتمّ العربيُّ بلغته ويحافظ عليها ويحميها من طوارئ الزمان ، لذا انبرى مجموعة من العلماء القدماء لهذه المهمّة الصعبة ، فقاموا بإعداد الدراسات والأبحاث ،ووسعوا البحث والتمحيص في كلِّ فروع اللّغة ؛من نحو وصرف وبلاغة ونقد وأدب وعروض وفقه اللّغة والمعجمات ، فوضعوا آراءهم وأبحاثهم ونتائج دراساتهم في مصنّفات عظيمة حفظت هذا التراث عبر التاريخ من الضياع والترهّل ، وظلّت نبراساً يهتدي به الدارسون ، ومعيناً لا ينضب ينهل منه أهل العلم والمعرفة والأحفاد في توسع الأبحاث والدراسات المنهجيّة في كلّ العصور .
ولعلّ أهمّ فرع من فروع اللغة هو فقه اللغّة لما له من خصوصيّة في دراسة اللّغة والبحث في نشأتها وتطوّرها وهذا ما سنتحدّث عنه في صفحاتنا القادمة .
فقه اللّغة : هو العلم بالشئ والفهم له ،والفقه في الأصل الفهم ، فقد دعا الرّسول صلّى الله عليه سلّم لابن عبّاس فقال : اللهمّ علّمه الدين وفقّهه تأويله ، أما اللّغة فهي مشتقّة من لغا إذا تكلّم ، وهي أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم . وهذا هو التعريف المعتمد عند الكثيرين من علماء اللّغة ، أما المحدثون فقالوا : هي أصوات منطوقة تعبّر عن الأغراض ، وتعيش بين قوم يتفاهمون بها ، وأن لكلّ قوم لغة . ولا تقتصر اللّغة على الأصوات ، فتدخل فيها الإشارات ؛كإشارات الصّم والبكم وتعبيرات الوجه والصراخ ودق الطبول وغيرها .
وفقه اللّغة في الاصطلاح هو: العلم الّذي يعنى بدراسة القضايا اللّغوية من حيث أصواتها ومفرداتها وتراكيبها ، وفي خصائصها الصوتيّة والصرفيّة والنحويّة والدّلاليّة وما يطرأ عليها من تغييرات وما ينشأ من لهجات ،فيبحث في المعجمات والمفردات من حيث المعنى والأصالة والاشتقاق والنحت والنحت والترادف وغيرها . كما يبحث في وظيفة اللّغة وأصلها ومصادرها . بمعنى أنه العلم الّذي يهتمّ بفهم اللغة ودراستها .
لم يظهر مصطلح فقه اللّغة عند علماء العربيّة القدماء كمصطلح ، وإن كانوا قد تحدّثوا عن موضوعاته في مصنّفاتهم ، ولعلّ أول ظهور لهذا المصطلح كان في القرن الرابع للهجرة على يد ابن فارس المتوفى عام 395 هـ في عنوان كتابه الصاحبي في فقه اللّغة وسنن العرب في كلامها ، حيث نظر للموضوع على انّه دراسة للقوانين العامّة التي تنتظم لها اللغة العربية في مستوياتها الصرفيّة والنحويّة والدلاليّة والصوتيّة ، بعد ذلك ظهر كتاب فقه اللّغة وأسرار العربيّة للثعالبي المتوفى عام 429 هـ ، وفيه يرى أن فقه اللّغة علم خاص
بفقه وفهم المفردات والفروق الدّقيقة في دلالاتها .
واعتبر علماء اللغة ما قامت به مدرسة الإسكندرية القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد من العناية بالنصوص الشعريّة وشرحها وتفسير مفرداتها بحيث تصبح مفهومة للدارسين كأشعار هوميروس يندرج تحت مصطلح فقه اللّغة . كما يدخل في فقه اللغة الميتافيزيقيا التي تبحث في أصل اللغة ونشأتها حسب الاجتهادات الشخصيّة ، كذلك الدراسات التي أقيمت على اللغة السنسكريتيّة وبعض الدراسات التي كانت وقفاً على اللّغتين اليونانيّة والّلاتينيّة في العصور الوسطى .
كما يشتمل فقه اللغة على تاريخ اللغة من حيث موطنها الأول والربط بينها وبين اللغات الإنسانية الأخرى ، ويقوم فقه اللغة بدراسة الأعمال الأدبيّة من الناحية اللغويّة لكاتب أو شاعر من خلال أعماله الأدبيّة من أجل إصدار حكم نقدي سليم .
علم اللغة :
في القرن التاسع عشر خرج بعض العلماء بتصوّرات جديدة حول طبيعة اللغة نفسها وحول مناهج البحث فيها ، هذه التصوّرات كانت بداية لظهور مصطلح علم اللّغة ، وقد ربط مؤرخو هذا العلم ظهوره الحقيقي بالعالم اللغوي الفرنسي فرديناند دي سوسير الذي استفاد من علماء سبقوه في هذا المجال ، ويقول أحد تلاميذ مدرسته : إن اللّغات التي تناولوها في بحثهم قد درسوها لذاتها بوصفها غرضاً من الأغراض العلميّة ، ولم يدرسوها كوسيلة من وسائل المعرفة. ولذلك قال أصحاب مصطلح علم اللغة : إن علم اللغة يركِّز على اللغة نفسها مع إشارة عابرة إلى القيم الثقافيّة والتاريخيّة. وبذلك وصفوا هذا العلم بأنّه دراسة علميّة للّغة ، وهذا يعني تطبيق المنهج العلمي والقائم على ملاحظة الظواهر ثم وضع الفروض النظريّة .
وجد المحدثون من علماء العربيّة أنفسهم أمام مصطلحين فرّق الغربيّون بينهما ؛ الأوّل يعنى بدراسة النصوص اللغويّة القديمة واللغات البائدة ، ويهتم بالتراث والنتاج الأدبي واللغوي فترجمه العرب باسم علم اللّغة ، أما الثاني فيعنى بدراسة اللغة في ذاتها وصفاً تاريخيِّاً ومقارنة ، ودراسة اللهجات والأصوات وهو ما يعرف بفقه اللغة .
قسم المحدثون علم اللغة إلى قسمين :
1 ــ علم اللغة الوصفي : وهو العلم الذي يصف اللغة ويفحص ظواهرها ومظاهرها ؛كدراسة
الأصوات أو التراكيب الخاصّة بلغة معيّنة في فترة زمنيّة معيّنة .
2 ــ علم اللغة التاريخي : وهو تتبّع تطوّر اللغة وتغيّرها عبر الزمان .
رغم هذا التقسيم إلا أن الفصل بينهما في مجال التطبيق صعب للتداخل الكبير بينهما ، فعلم اللغة يستعين بمجموعة من العلوم العامّة ، ولذلك انفتح على علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وعلم الجغرافيا وعلم الفيزياء وعلم الأجناس البشريّة ، لأن عملية التطوّر اللغوي ترتبط بالنشاط العقلي ، واللغة ظاهرة فكريّة عضويّة يمتاز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات ، لذلك لا بدّ من وجود علاقة ترابطيّة بين اللغة وهذه العلوم .
ويؤكد عبد الراجحي أن علماء اللغة يدرسون اللغة لذاتها ومن أجل ذاتها ، كما يدرسون اللغة دراسة وصفيّة ، وعلم اللغة يقسم اللغة إلى مستويات صرفيّة وصوتيّة ونحويّة ودلاليّة ، ويتّخذ المنهج العلمي للوصول إلى القوانين العامّة التي تنتظم اللغة .
إن ما ذكره المحدثون وقالوا أنه يندرج تحت علم اللغة ، ورد في كتاب الصّاحبي لابن فارس تحت مسمّى فقه اللغة ،كما ورد في كتاب المزهر للسيوطي تحت مسمّى علم اللغة ، فالمعنى التراثي لا يفرِّق بين المصطلحين، إلا أن مصطلح فقه اللغة هو الأسبق عند القدماء بينما ظهر مصطلح علم اللغة للتّوضيح والتّركيز على التحليل لتراكيب اللغة ، وكنتيجة حتميّة لهذا التداخل اختلف المحدثون في وضع حدِّ واضح جامع مانع لكل واحد منهما ، مما جعل دارس العربيّة في حيرة من أمره وهو يقف أمام فريقين من المحدثين ؛ الفريق الأوّل لا يفرِّق بين المصطلحين فيجعلهما علماً واحداً ، بينما يرى الفريق الثاني أن كل واحد منهما علماً مستقلاً . ويؤكّد الدكتور محمد مبارك أن علم اللغة وفقه اللغة كلاهما يفيد المقصود ، ويرى الدكتور صبحي الصالح أن الفصل بين المصطلحين عسير لأن مباحثهما متداخلة ، بينما يرى عبده الراجحي إنهما علمان مختلفان فيقول :" فقه اللغة يدرس اللغة باعتبارها وسيلة إلى غاية ، وهذه الغاية هي دراسة الثقافة بما تشتمل عليه من ديانات وعادات وتقاليد وآداب ، ... وكان علماء فقه اللغة يبذلون جهوداً مضاعفةً من أجل الوصول إلى إعادة تشكيل اللغات القديمة الأصيلة ، ومحاولاتهم الوصول إلى الأُصول الأُولى للغة الأم التي تتفرّع عنها اللغات الهنديّة والأوربيّة ، كما ركَّزوا عملهم على المقارنات اللغويّة بالإضافة لاهتمامهم بدراسة تاريخ الكلم.
لم يكتف الراجحي بالتفريق بين المصطلحين بل طالب علماء العربيّة الاتفاق على مصطلح علم اللغة لان مصطلح فقه اللغة لا يشير من قريب أومن بعيد إلى طريقة العرب القدماء ، فضلاً عمّا يحيط به من غموض وما يعتوره من خلاف .
علم اللغة
ما المقصود بعلم اللغة؟
علوم اللغة العربية متعددة, والسؤال الذي يُطرح دائماً على المتخصص في اللغة العربية سواءً من متعلم أو إنسان عادي هو:
ما تخصصك الدقيق ؟ فبجيب (علم اللغة).ترى الدهشة على وجه السائل , لأن المتعارف عليه في اللغة العربية : النحو والصرف والبلاغة والأدب، لذلك يجب أن نُعّرف بعلم اللغة , والمجالات التي يبحث فيها علم اللغة .
علم اللغة : هو العلم الذي يبحث في اللغة , ويتخذها موضوعاً له, ويدرسها من النواحي : الوصفية والتاريخية , والمقارنة. وهو : متخصص بالكلام أوالدقة , ويسمى عند الغربيين: linguistics
أي هذا العلم متعلق بذات اللفظ ومعناه, فهو يدرس أوضاع المفردات في مجموعها التي يتكون منها لسان من الألسنة وهي ما تسمى بالفرنسية lixicologo .
ومن الواضح أن هذا العلم يهتم يدرس المناهج والمقارنات اللغوية , وربما اتسع مفهوم علم اللغة ليشمل دراسة الصوت البشري كوسيلة من أهم وسائل التعبير الإنسانية , فهذا العلم يختص باللغة , واللغة في تعريف ابن جني في خصائصه : مجموعة أصوات يعبر بها كل قوم عن سماتهم وخصائصهم .
لذلك لا بأس من أن ننعت مدارسات هذا العلم , بعلم اللسان العربي , أو علم اللسانيات العربية , أو علم كلام العرب , أو علم المنطق العربي , وهذه التسميات لعلم اللغة وخاصة بعلم اللسان , ليست حديثة على اللغة العربية بل ذكرها زهير بن أبي سلمى في معلقته:
لسان الفتى نصفٌ , ونصفٌ فؤاده فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم
علم اللغة هو بعينه كلام العرب أو علم اللسان العربي , لذلك يجب أن نبين قيمة دراسة الأصوات ومزاياها .
1- الدراسات الصوتية أثر كبير في مجال اللغة والبحث فيها , وخاصة في وضع أبجديات دقيقة للغة , فالصوت يجعل من الممكن إعطاء رموز مفصلة لكل في اللغة ومن أمثلته: كتابة الفتحة الطويلة برمز الياء مثل (دعى) فطبقة الصوت توجه كتابته على الألف اى ، ومثل الأصوات التي تكتب ولا تنطق مثل :عمرو و الألف بعد واو الجماعة.
2- دراسة الأصوات مهمة جدا لصرف اللغة ونحوها ، ولا يمكن دراسة الصرف دراسة صحيحة بالاعتماد على الوصف الصوتي فليس هنالك علم للدلالة بلا صرف ولا علم للصرف بلا أصوات. تركيبة الكلمات وربط الصرف بالأصوات وتظهر من دراسات العلماء القدماء أن التغيرات التي تطرأ على أبنية الكلمة العربية تعتمد على الأصوات
3- علاقة النحو بالأصوات فهي علاقة ضرورية ،لأن النحاة العرب يعتبرون دراسة الأصوات قسم من أقسام النحو الكبرى كما يفعل الغربيون فالنحو في نظرهم ناقص بدون دراسة الأنماط التنغيمية.
4- لدراسة الأصوات صلة قوية بالدراسة المعجمية فلا بد للمعاجم أن تستعين بالأصوات، لذلك معظم مقدمات المعاجم تحتوي أصوات اللغة مثل: معجم العين، وتهذيب اللغة ،وجمهرة العرب أو لسان العرب، مما يدل على حاجة هذه الدراسة للأصوات.
5- لعلم الأصوات صلة قوية بالمعاني التي تدل عليها الحروف والكلمات، فتحديد المعنى يتوقف أحيانا على الطريقة الصوتية: كالنبر والتلوين الموسيقي .
6- علم الأصوات مهم للباحث اللغوي إذ لا يمكن الأخذ في دراسة لغة أو لهجات دراسة علمية ما لم تكن مثبته على وصف أصواتها وأنظمتها الصوتية.
لذلك دراسة الصوت الإنساني يكمن على أساسها تحليل عناصر الكلام واتخاذ مناهج محددة للدراسة فمنهج للأصوات ،و آخر للتشكيل الصوتي وللصرف والنحو، وفي الآونة الأخيرة اخذ علماء اللغة المحدثين يعمدون إلى زيادة التخصيص في عنونة أبواب الدرس اللغوي حيث يفضل بعض الرواة في هذا الميدان من الدرس أن يسموه :بعلم (اللسان البشري) أو بعلم (اللسان العام) فإذا أرادوا تفريغا على سبيل التخصيص قالوا):علم الألسنة العربية) أو علم (اللسانيات). واخذ يركز هذا العلم على المعامل الصوتية و تأثر رواد هذا العلم بعلماء الغرب مثل: ( دانيال جونز) (ماريوباي ) (فندريس). وغيرهم من علماء الغرب، وعلماء اللغة المحدثين ألفوا كتبا قيمة في علم الأصوات وأبدعوا وردوا في مواقع كثيرة على علماء الغرب، معتمدين ما توصلوا إليه عن طريق المعامل الصوتية، وعن طريق تشريح الجهاز الصوتي ،ونذكر بعضهم لا على سبيل الحصر. د/رمضان عبد التواب ،د/كمال بشر، د/إبراهيم أنيس، د/ تمام حسان، د/عبد الرحمن أيوب وغيرهم . وقد درسوا بدقة جهاز النطق الإنساني، و بينوا كيف يحدث الصوت الإنساني؟. ودرسوا مخارج الحروف وصفاتها ووظائفها مما رفع من شأن علم اللغة في العالم العربي، مما زاد من إقبال الدارسين على هذا العلم و أصبح تواصل بين المشرق والمغرب ،وخاصة دراسة اللهجات التي تتدرج تحت هذا العلم ،ونحن نعرف أن العالم العربي يحوي لهجات كثيرة ومتعددة .
وبعد هذه الدراسة نستطيع أن نحدد المجالات التي يبحث فيها علم اللغة حتى يتعرف القارئ ما المقصود بعلم اللغة؟
1- دراسة الأصوات التي تتألف منها اللغة ويتناول تشريح الجهاز الصوتي لدى الإنسان، ومعرفة إمكانات النطق المختلفة الكامنة فيه .ووصف أماكن النطق ومخارج الأصوات وتغيرها ،وكل هذا يتناوله فرع خاص من فروع علم اللغة (علم الأصوات).
2- دراسة البنية و البحث في القواعد المتصلة بالصيغ واشتقاق الكلمات وتصريفها وتغير بنية الألفاظ للدلالة على معاني مختلفة، وهو فرع من علوم اللغة يسمى (علم الصرف) .
3- دراسة نظام الجملة، من حيث ترتيب أجزائها وأثر كل جزء منها في الأخر، وعلاقة الأجزاء بعضها ببعض. وطريقة ربطها وهذا النوع من علوم اللغة هو (علم النحو) .
4- البحث في نشأة اللغة الإنسانية، يبحث بعض النظريات منها ،كيف يتكلم الإنسان هذه اللغة؟
والبحث في حياة اللغة وتطورها في نواحي :الأصوات ،البنية، الدلالة ،التركيب صراع اللغات ،وانقسامها إلى لهجات، وصراع اللهجات وتكون اللغات المشتركة.
فعلم اللغة مجاله واسع والمتخصص في علم اللغة عليه إتقان جميع فروعها من نحو، وصرف، و أصوات، وضرورة إلمامه بالدراسة المعجمية ،ومعرفته باللهجات العربية، فهو أوسع علم في العربية لأنه يشمل أكثر علومها.
علوم اللغة العربية متعددة, والسؤال الذي يُطرح دائماً على المتخصص في اللغة العربية سواءً من متعلم أو إنسان عادي هو:
ما تخصصك الدقيق ؟ فبجيب (علم اللغة).ترى الدهشة على وجه السائل , لأن المتعارف عليه في اللغة العربية : النحو والصرف والبلاغة والأدب، لذلك يجب أن نُعّرف بعلم اللغة , والمجالات التي يبحث فيها علم اللغة .
علم اللغة : هو العلم الذي يبحث في اللغة , ويتخذها موضوعاً له, ويدرسها من النواحي : الوصفية والتاريخية , والمقارنة. وهو : متخصص بالكلام أوالدقة , ويسمى عند الغربيين: linguistics
أي هذا العلم متعلق بذات اللفظ ومعناه, فهو يدرس أوضاع المفردات في مجموعها التي يتكون منها لسان من الألسنة وهي ما تسمى بالفرنسية lixicologo .
ومن الواضح أن هذا العلم يهتم يدرس المناهج والمقارنات اللغوية , وربما اتسع مفهوم علم اللغة ليشمل دراسة الصوت البشري كوسيلة من أهم وسائل التعبير الإنسانية , فهذا العلم يختص باللغة , واللغة في تعريف ابن جني في خصائصه : مجموعة أصوات يعبر بها كل قوم عن سماتهم وخصائصهم .
لذلك لا بأس من أن ننعت مدارسات هذا العلم , بعلم اللسان العربي , أو علم اللسانيات العربية , أو علم كلام العرب , أو علم المنطق العربي , وهذه التسميات لعلم اللغة وخاصة بعلم اللسان , ليست حديثة على اللغة العربية بل ذكرها زهير بن أبي سلمى في معلقته:
لسان الفتى نصفٌ , ونصفٌ فؤاده فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم
علم اللغة هو بعينه كلام العرب أو علم اللسان العربي , لذلك يجب أن نبين قيمة دراسة الأصوات ومزاياها .
1- الدراسات الصوتية أثر كبير في مجال اللغة والبحث فيها , وخاصة في وضع أبجديات دقيقة للغة , فالصوت يجعل من الممكن إعطاء رموز مفصلة لكل في اللغة ومن أمثلته: كتابة الفتحة الطويلة برمز الياء مثل (دعى) فطبقة الصوت توجه كتابته على الألف اى ، ومثل الأصوات التي تكتب ولا تنطق مثل :عمرو و الألف بعد واو الجماعة.
2- دراسة الأصوات مهمة جدا لصرف اللغة ونحوها ، ولا يمكن دراسة الصرف دراسة صحيحة بالاعتماد على الوصف الصوتي فليس هنالك علم للدلالة بلا صرف ولا علم للصرف بلا أصوات. تركيبة الكلمات وربط الصرف بالأصوات وتظهر من دراسات العلماء القدماء أن التغيرات التي تطرأ على أبنية الكلمة العربية تعتمد على الأصوات
3- علاقة النحو بالأصوات فهي علاقة ضرورية ،لأن النحاة العرب يعتبرون دراسة الأصوات قسم من أقسام النحو الكبرى كما يفعل الغربيون فالنحو في نظرهم ناقص بدون دراسة الأنماط التنغيمية.
4- لدراسة الأصوات صلة قوية بالدراسة المعجمية فلا بد للمعاجم أن تستعين بالأصوات، لذلك معظم مقدمات المعاجم تحتوي أصوات اللغة مثل: معجم العين، وتهذيب اللغة ،وجمهرة العرب أو لسان العرب، مما يدل على حاجة هذه الدراسة للأصوات.
5- لعلم الأصوات صلة قوية بالمعاني التي تدل عليها الحروف والكلمات، فتحديد المعنى يتوقف أحيانا على الطريقة الصوتية: كالنبر والتلوين الموسيقي .
6- علم الأصوات مهم للباحث اللغوي إذ لا يمكن الأخذ في دراسة لغة أو لهجات دراسة علمية ما لم تكن مثبته على وصف أصواتها وأنظمتها الصوتية.
لذلك دراسة الصوت الإنساني يكمن على أساسها تحليل عناصر الكلام واتخاذ مناهج محددة للدراسة فمنهج للأصوات ،و آخر للتشكيل الصوتي وللصرف والنحو، وفي الآونة الأخيرة اخذ علماء اللغة المحدثين يعمدون إلى زيادة التخصيص في عنونة أبواب الدرس اللغوي حيث يفضل بعض الرواة في هذا الميدان من الدرس أن يسموه :بعلم (اللسان البشري) أو بعلم (اللسان العام) فإذا أرادوا تفريغا على سبيل التخصيص قالوا):علم الألسنة العربية) أو علم (اللسانيات). واخذ يركز هذا العلم على المعامل الصوتية و تأثر رواد هذا العلم بعلماء الغرب مثل: ( دانيال جونز) (ماريوباي ) (فندريس). وغيرهم من علماء الغرب، وعلماء اللغة المحدثين ألفوا كتبا قيمة في علم الأصوات وأبدعوا وردوا في مواقع كثيرة على علماء الغرب، معتمدين ما توصلوا إليه عن طريق المعامل الصوتية، وعن طريق تشريح الجهاز الصوتي ،ونذكر بعضهم لا على سبيل الحصر. د/رمضان عبد التواب ،د/كمال بشر، د/إبراهيم أنيس، د/ تمام حسان، د/عبد الرحمن أيوب وغيرهم . وقد درسوا بدقة جهاز النطق الإنساني، و بينوا كيف يحدث الصوت الإنساني؟. ودرسوا مخارج الحروف وصفاتها ووظائفها مما رفع من شأن علم اللغة في العالم العربي، مما زاد من إقبال الدارسين على هذا العلم و أصبح تواصل بين المشرق والمغرب ،وخاصة دراسة اللهجات التي تتدرج تحت هذا العلم ،ونحن نعرف أن العالم العربي يحوي لهجات كثيرة ومتعددة .
وبعد هذه الدراسة نستطيع أن نحدد المجالات التي يبحث فيها علم اللغة حتى يتعرف القارئ ما المقصود بعلم اللغة؟
1- دراسة الأصوات التي تتألف منها اللغة ويتناول تشريح الجهاز الصوتي لدى الإنسان، ومعرفة إمكانات النطق المختلفة الكامنة فيه .ووصف أماكن النطق ومخارج الأصوات وتغيرها ،وكل هذا يتناوله فرع خاص من فروع علم اللغة (علم الأصوات).
2- دراسة البنية و البحث في القواعد المتصلة بالصيغ واشتقاق الكلمات وتصريفها وتغير بنية الألفاظ للدلالة على معاني مختلفة، وهو فرع من علوم اللغة يسمى (علم الصرف) .
3- دراسة نظام الجملة، من حيث ترتيب أجزائها وأثر كل جزء منها في الأخر، وعلاقة الأجزاء بعضها ببعض. وطريقة ربطها وهذا النوع من علوم اللغة هو (علم النحو) .
4- البحث في نشأة اللغة الإنسانية، يبحث بعض النظريات منها ،كيف يتكلم الإنسان هذه اللغة؟
والبحث في حياة اللغة وتطورها في نواحي :الأصوات ،البنية، الدلالة ،التركيب صراع اللغات ،وانقسامها إلى لهجات، وصراع اللهجات وتكون اللغات المشتركة.
فعلم اللغة مجاله واسع والمتخصص في علم اللغة عليه إتقان جميع فروعها من نحو، وصرف، و أصوات، وضرورة إلمامه بالدراسة المعجمية ،ومعرفته باللهجات العربية، فهو أوسع علم في العربية لأنه يشمل أكثر علومها.
علم اللغة بين ابن جني ودي سوسير
ليس القصد من هذه المقالة المقارنة التفضيلية بين نظريات علم اللغة الحديث وما توصل اليه علماء اللغة العرب الاوائل من معارف في اللغة وعلومها. فالمعارف تكتسب من خلال تقدم العلم وتراكم الخبرات المعرفية وتطور وسائل البحث عبر الزمن. وانما القصد الاشارة إلى قدرة علماء اللغة العربية القدامى على النفاذ إلى دقائق مسائل اللغة ومقاربة قضايا هي من صميم اختصاص علم اللغة الحديث.
كما لا تهدف هذه المقالة إلى المقارنة بين فردناند دي سوسير وابن جني. والغاية من إيراد اسميهما في العنوان هي إبرازهما كرمزين من رموز علم اللغة قديما وحديثا. فردناند دي سوسير Ferdinand de Saussure (1857-1913) هو عالم اللغة السويسري الذي ينظر إليه بوصفه مؤسسا لعلم linguistics اللغويات او اللسانيات الحديثة. أما أبو الفتح عثمان بن جنِّي فهو أحد أبرز علماء فقه اللغة العربية الافذاذ في القرن الرابع الهجري ( توفي 392 هـ).
في تعريفه للغة يقول ابن جني :" حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم". لم يقل أن اللغة ألفاظ أو كلمات ولكنه قال "أصوات" speech sounds وأصوات أشمل وأعم وهو المصطلح المستخدم في علم اللغة الحديث، وعلم الاصوات phonetics من أحدث علوم اللغة . والفونيم phoneme هو أصغر وحدة صوتية، فالحرف فونيم.
أما قوله :"يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" فهو تقرير للوظيفة الاجتماعية والمعرفية والتواصلية للغة. ووظيفة اللغة هذه، لا خلاف عليها، وهي من البداهة بحيث أنها ليست في حاجة إلى التدليل. ويلخص الامام فخر الدين الرازي هذه الوظيفة والحاجة إليها، بقوله :" الانسان الواحد، وحده، لا يستقل بجميع حاجاته، بل لا بد من التعاون، ولا تعاون إلا بالتعارف، ولا تعارف إلا بأسباب، كحركات، أو إشارات، أو نقوش أو ألفاظ توضع بازاء المقاصد. وأيسرها وأفيدها وأعمها الألفاظ". - المزهر ص 38
ولا يعدو دي سوسير في تعريفه اللغة أبعد مما ذهب إليه ابن جنيِّ ورفاقه. إذ يقول:
A language is a system of signs expressing ideas”
"اللغة نظام من العلامات أو الاشارات للتعبير عن الافكار". ويضيف : " اللغة مؤسسة اجتماعية".
ولكن ما أصل اللغة؟ هل هي موضوعة بمعنى أن الناس تواضعوا وتعارفوا عليها تدريجيا شيئا فشيئا حتى صارت نظاما متكاملا في التواصل بين الافراد ؟ أم اُنزلت من السماء هكذا دفعة واحدة ؟
ناقش فقهاء اللغة العربية وعلم الكلام الاسلامي هذه القضية تحت عنوان : اللغة هل هي اصطلاح أم توقيف؟ يعني هل اللغة وقفا منزلا من الله أم هي مصطلحات لفظية نشات في هذه الدنيا واكتسبها الانسان اكتسابا؟
وقد انقسموا فيما بينهم فمن قائل هي توقيف ووحي وإلهام، ومن قائل هي اصطلاح وتواضع وتواطؤ. ومنهم من جمع بين الرأيين، فقال هي توقيف وهي اصطلاح. أما ابن جني فيقول في كتابه الخصائص :" أكثر أهل النظر على أن اللغة إنما تواضع واصطلاح، لا وحي ولا توقيف". ويرد على من احتجوا من أهل التوقيف، بالآية القرآنية : "وعلم آدم الاسماء كلها" بقوله، وهذا لا يتناول موضع الخلاف. ويجوز أن يكون تأويله : أقدر آدم على أن واضعه عليها. " ص 99
وإذا سلمنا بان اللغة موضوعة، فالسؤال الذي يطرح نفسه فكيف اهتدى الانسان إلى ألفاظ اللغة؟ كيف نشات اللغة أول ما نشات؟ هنالك نظريات عدة عن أصل اللغة. أول هذه النظريات نظرية المحاكاة، محاكاة أصوات الطبيعة والاشياء. وتسمى هذه النظرية عند علماء اللغة المعاصرين اسما طريفا ، The bow-wow theory.
وكان ابن جني ورفاقه قد اهتدوا إلى هذه النظرية في نشاة اللغة، يقول:" وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو الاصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك، ثم تولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح، ومذهب متقبل". – الخصائص ص 99
وغير هذا هنالك العديد من النظريات في أصل نشأة اللغة لا نريد ان نخوض فيها هنا - وكلها فيما نرى تكمل بعضها - ولمن اراد الوقوف عليها فليراجعها في مظانها.
والقول بان اللغة تواضع وليس وحيا أو توقيفا، يترتب عليه القول بان معاني الالفاظ أيضا مكتسبة وليست أزلية بمعنى ان العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة عرفية يمليها العرف وليست منزلة من السماء. خذ مثلا لفظ شجرة في اللغة العربية، هل دلالته على الشيء المسمى شجرة دلالة طبيعية ذاتية ام ان العرف جعل الناس يطلقون على هذا الشيء اسم شجرة بحيث كان من الممكن ان يحل اي لفظ آخر محله للاشارة إلى الشيء المسمى شجرة؟
وقد ناقش علماء العربية هذه المسالة تحت عنوان مناسبة الالفاظ للمعاني. وخلصوا إلى أن العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة وضعية وليست طبيعة جوهرية ازلية. وشذ عنهم قوم منهم عباد بن سليمان من المتكلمين (نسبة إلى علم الكلام) وذهب إلى أن الالفاظ تدل على المعاني بذاتها، يقول: " بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية موجبة حاملة على الواضع أن يضع والا لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحا من غير ترجيح". ص 47 ولكنهم ردوا عليه لو أن اللفظ دل بذاته على معناه لفهم كل واحد منهم كل اللغات.- المزهر ص 16 و17
ويتوصل دي سوسير إلى ذات النتيجة التي توصل اليها علماء العربية من أن العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة وضعية لكنه يستعمل لفظا آخر أكثر جذرية ( إن لم نقل أكثر إثارة) حين يصف هذه العلاقة بالاعتباطية أو الجزافية . يقول: linguistic sign is arbitrary ويستدل على ذلك بذات الحجة التي استدل بها علماء العربية وهي أنه لو كانت دلالة اللفظ على معناه طبيعية لما اختلفت اللغات ولتحدث الناس لغة واحدة. ومعنى اعتباطية انه لا يوجد منطق يلزم ان توضع مثلا كلمة شجرة في العربية على ما سواها من الفاظ في الدلالة على الشجرة. يقول:
“There is no internal connexion, for example, between the idea sister and the French sequence sor. The same idea might as well be represented by other sequence of sounds.”
"لا توجد علاقة ذاتية جوهرية مثلا بين فكرة الأخت في الفرنسية والحروف المكونة لكلمة "سور" نفس الفكرة يمكن أن يمثل أو يرمز إليها بحروف أخرى". ص68
هذا، ويرى سوسير ان فكرة اعتباطية العلامة اللغوية، هي من البداهة بحيث لا أحد يمكن أن يجادل فيها. ويدلل على هذه البديهية بحقيقة الاختلاف بين اللغات وبتغير دلالة الالفاظ في اللغة الواحدة من عهد إلى عهد. ولكنا نرى أن لفظة arbitrary تبدو نافرة في هذا السياق لانها تتعارض مع فكرة كون أن اللغة نسق أو نظام، حسب تعريف سوسير نفسه. ولو انه استعمل كلمة عرضية incidental غير جوهرية (بالمعنى الفلسفي) أو عرفية conventional، لكان أنسب. نقول ذلك ولا ندري هل الكلمة الفرنسية المستعملة في النص الاصلي لها نفس وقع كلمة arbitrary الانجليزية.
وما يؤكد الحاجة إلى ما ذهبنا إليه، أن سوسير يستدرك في سياق حديثه عن اعتباطية العلامة اللغوية، أن القول باعتباطية العلامة لا يخول للمتكلم الحق في اختيار أو تغيير العلامة جزافا كفيما اتفق متى ما استقرت هذه العلامة (الكلمة) في المجتمع:
“The word arbitrary .., must not be taken to imply that a signal depends on the free choice of the speaker.., the individual has no power to alter a sign in any respect once it has been established in a linguistic community.”
وما دام الامر كذلك، فان كلمة اعتباطية تكون قد فقدت معناها ويستلزم ذلك أن تستبدل بلفظ أكثر مناسبة.
وتولد المعانى ناتج، حسب نظرية دي سوسير من اختلاف دلالة الالفاظ عن بعضها البعض في النسق او البنية الكلية للغة. فالشجرة هي شجرة لانها ليست بقرة أو بغلة. والاحمر أحمر لانه ليس أسود أو أخضر ألخ .. وهذه بداهة تعطيها الملاحظة العادية وليست في حاجة إلى بعد نظر أو طول تأمل. وقديما قيل: بضدها تتميز الاشياء.
ولكن مع ذلك توجد ألفاظ تدل بذاتها على معناها. وهي بالتالي تعد استثناء من قاعدة اعتباطية العلامة اللغوية حسب مصطلح سوسير. من ذلك الكلمات التي يتولد معناها من لفظها ووقعه في الاذن مثل كلمة رجّ وخجّ وأزيز وهسيس وخرير وغيرها في العربية. إضافة إلى ألفاظ التعجب والتاوه والتوجع إلخ .. وتسمي هذه الالفاظ في علم اللغة Onomatopoeic ولكن سوسير يرى ان نسبة مثل هذه الالفاظ الدالة بذاتها على معناها، قليلة لا تخل بالقاعدة العامة في اعتباطية أو جزافية العلاقة بين الالفاظ والمعاني.
وقد فطن علماء العربية إلى مثل هذه الالفاظ الدالة على معناه بذاتها والتي تعد استثناء من القاعدة العامة. يقول ابن جنيِّ: " قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا: صرَّ. وتوهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا: صرصر. وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على وزن الفعلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة، نحو النقزان، والغليان، والغثيان. فقالوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الافعال". – الخصائص.
ثم يضيف قائلا :" ووجدت أنا أن من هذا الحديث أشياء كثيرة .. وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير، نحو الزعزعة، والقلقة، والصلصلة، والقعقعة، والصعصعة، والجرجرة، والقرقرة. ووجدت أيضا (الفعلى) في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة، نحو: الشبكي، والجمزي والولقي.." الخصائص - ص505
إلا أن الاضافة المهمة التي تُعزى إلى دي سوسير وبسببها احتل هذه المكانة كمؤسس لعلم اللغة الحديث هي القول بان العلامة اللغوية (اللفظ ومعناه) تتكون من وجهين كوجهي الورقة الواحدة لا ينفصلان: هما: الصورة الصوتية sound pattern والصورة الذهنية concept . وبالتالي يصبح لدينا ثلاثة عناصر في عملية الترميز اللغوي : الصورة الصوتية ( الدال) والصورة الذهنية ( المدلول) والشيء او المسمى المشار إليه referent .
وبذلك صارت المسألة عنده اكثر تعقيدا إذ دخلها عنصر جديد هو الصورة الذهنية او السيكلوجية للمعنى. بعبارة أخرى أن اللفظ حسب سوسير لا يشير مباشرة إلى المسمى في الواقع. ولذلك فان سوسير يزعم ان العلاقة اصلا ليست بين العلامة اللغوية والشيء او الاسم وانما بين الصورة الصوتية وبين المفهوم او الصورة الذهنية للشيء التي تثيرها في النفس الصورة الصوتية. يقول:
A linguistic sign is not a link between a thing and a name, but between a concept and a sound pattern.
ومن شأن هذا التمييز الاجرائي بين اللفظ ومعناه من جهة والشيء او المسمى من جهة أخرى أن تثير بعض الاشكالات، من أبرزها انه قد يفهم منه أن المراد عزل اللغة عن الواقع. وذلك بالرغم من أن سوسير لم يهدف إلى ذلك مطلقا بل يؤكد دائما على الوظيفة الاجتماعية والتواصلية للغة باعتبارها الغرض الاساس من اختراع اللغة. ولكنه اقام هذا التمييز – فيما نرى، من باب الحرص على عزل العناصر الخارجية للغة بهدف دراسة اللغة دراسة علمية صارمة كنظام مستقل لاستنباط قواعد تصلح للتطبيق على دراسة أي لغة.
إلا أن المثير للدهشة أنني وجدت فريقا من علماء العربية قد أثار ذات المسألة وتوصل إلى ما توصل إليه سوسير في موضوع العلاقة بين الصورة الذهنية للفظ والشيء الدال عليه في الخارج ،حيث تسآءلوا: "هل الالفاظ موضوعة بإزاء الصور الذهنية- أي الصورة التي تصورها الواضع في ذهنه عند إرادة الوضع- أو بازاء الماهيات الخارجية ؟
يذهب فخرالرازي وأتباعه إلى ان الالفاظ موضوعة إزاء الصورة الذهنية وليست بإزاء الماهيات(الأشياء) الخارجية. واستدلوا عليه بأن اللفظ يتغير بحسب تغير الصورة في الذهن. وأن اللفظ دائر مع المعاني الذهنية دون الخارجية فدل ذلك على ان الوضع للمعنى الذهني لا الخارجي. – المزهر ص 42
إلا ان بعضا من علماء العربية والمتكلمين رفضوا هذا التمييز بين دلالة الشيء وصورته الذهنية والشيء في الخارج وقالوا :" إن اللفظ موضوع بإزاء المعنى من حيث هو، مع قطع النظر عن كونه ذهنيا أو خارجيا، فإن حصول المعنى في الخارج والذهن من الاوصاف الزائدة على المعنى، واللفظ وضع للمعنى من غير تقييده بوصف زائد. ثم ان الموضوع له قد يوجد في الذهن فقط كالعلم ونحوه". - المصدر السابق ص 42
وفي سبيل وضع منهج صارم يصلح لدراسة اللغة أي لغة، يرى سوسير ضرورة عزل الكلام عن اللغة. قد يبدو هذا مستغربا لاول وهلة. وهل هنالك فرق بين اللغة والكلام، ما الكلام؟ أليس هو لغة؟ بلى ! الكلام لغة، ولا كلام بغير لغة. وهذا ما شدد عليه سوسير نفسه . ولكن الامر في غاية البساطة. فسوسير مهموم هنا بالعناصر التي تشكل هيكل اللغة وبنيتها وتهيأها لاداء وظيفتها. وليس مهموما بمضمون اللغة او ما تقوله اللغة فعلا. فذلك ليس مهما في تعقيد نظرية كونية لدراسة اللغة. وهو ينظر إلى الكلام بوصفه نشاط فردي متغيير بتغيير المواقف والافراد أما اللغة كنظام كلي تتمتع بثبات نسبي.
ولتقريب الصورة نقول أن العلاقة أشبه بعلاقة القماش بالملابس. فالكلام حسب سوسير، اداة اللغة ومنتوجها. ولكن تاريخيا الكلام له الاسبقية على اللغة وهو الذي يدفع بحركة نمو اللغة و تطورها. أو بعبارة سوسير بالانجليزية:
Historically, speech always takes precedence. It is speech which causes a language to evolve.”
ومثلما ميز دي سوسير بين اللغة والكلام، ميز علماء العربية كذلك بين الكلام واللغة من خلال تميزهم بين مفردات اللغة والتراكيب (الجُمل). فالتراكيب والجمل اي انشاء الكلام، يرجع، في نظرهم إلى المتكلم. ودلالة الكلام حسب فخر الدين الرازي عقلية لا وضعية. قال الزركشي في بيان ذلك : " لا خلاف أن المفردات موضوعة واختلفوا في المركبات فقيل ليست موضوعة. وما ذاك الا لان الامر فيها موكول للمتكلم. واستدلوا على هذا الراي بقولهم لو كان الكلام دالا بالوضع وجب ذلك فيه ولم يكن لنا ان نتكلم بكلام لم نسبق اليه كما لم نستعمل من المفردات الا ما سبق استعماله وفي ذلك عدم برهان على ان الكلام ليس دالا بالوضع" . المزهر - ص 43
وتأييدا لذلك قال آخر: واضع اللغة لم يضع الجُمل كما وضع المفردات، بل ترك الجُمل إلى اختيار المتكلم. يبين ذلك أن حال الجمل لو كانت حال المفردات لكان استعمال الجمل وفهم معانيها متوقفا على نقلها عن العرب كما كانت المفردات. كذلك لوجب على أهل اللغة ان يتتبعوا الجمل ويودعوها كتبهم كما فعلوا ذلك بالمفردات. ص 40 ،41
هذا، وقد استغلت بعض التيارات لا سيما في الادب والنقد، مثل البنيوية والتفكيكية، نظريات دي سوسير المشار إليها وبخاصة فصله بين الكلام واللغة وتميزه بين العلامة اللغوية والشيء في الخارج وذلك لاغراض بحثية ومنهجية بحتة، وذهبت بها مذاهب أبعد، وصرفتها عن وجهتها وعن المراد منها. ولذلك انتهت البنيوية إلى عزل النص عن سياقاته الخارجية ومضمون رسالته، بينما فصلت التفكيكية بين وجهي العلامة اللغوية أي بين الدال والمدلول، بين اللفظ ومعناه، وبذلك جردت اللغة من وظيفتها التواصلية والمعرفية.
المصادر:
1- أبو الفتح عثمان بن جني ، الخصائص، الجزء الاول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2001
2- عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها ،الجزء الاول، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
3- F. de Saussure, Course in General Linguistics, Translated by Roy Harris, Duckworth ,London, 1998
كما لا تهدف هذه المقالة إلى المقارنة بين فردناند دي سوسير وابن جني. والغاية من إيراد اسميهما في العنوان هي إبرازهما كرمزين من رموز علم اللغة قديما وحديثا. فردناند دي سوسير Ferdinand de Saussure (1857-1913) هو عالم اللغة السويسري الذي ينظر إليه بوصفه مؤسسا لعلم linguistics اللغويات او اللسانيات الحديثة. أما أبو الفتح عثمان بن جنِّي فهو أحد أبرز علماء فقه اللغة العربية الافذاذ في القرن الرابع الهجري ( توفي 392 هـ).
في تعريفه للغة يقول ابن جني :" حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم". لم يقل أن اللغة ألفاظ أو كلمات ولكنه قال "أصوات" speech sounds وأصوات أشمل وأعم وهو المصطلح المستخدم في علم اللغة الحديث، وعلم الاصوات phonetics من أحدث علوم اللغة . والفونيم phoneme هو أصغر وحدة صوتية، فالحرف فونيم.
أما قوله :"يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" فهو تقرير للوظيفة الاجتماعية والمعرفية والتواصلية للغة. ووظيفة اللغة هذه، لا خلاف عليها، وهي من البداهة بحيث أنها ليست في حاجة إلى التدليل. ويلخص الامام فخر الدين الرازي هذه الوظيفة والحاجة إليها، بقوله :" الانسان الواحد، وحده، لا يستقل بجميع حاجاته، بل لا بد من التعاون، ولا تعاون إلا بالتعارف، ولا تعارف إلا بأسباب، كحركات، أو إشارات، أو نقوش أو ألفاظ توضع بازاء المقاصد. وأيسرها وأفيدها وأعمها الألفاظ". - المزهر ص 38
ولا يعدو دي سوسير في تعريفه اللغة أبعد مما ذهب إليه ابن جنيِّ ورفاقه. إذ يقول:
A language is a system of signs expressing ideas”
"اللغة نظام من العلامات أو الاشارات للتعبير عن الافكار". ويضيف : " اللغة مؤسسة اجتماعية".
ولكن ما أصل اللغة؟ هل هي موضوعة بمعنى أن الناس تواضعوا وتعارفوا عليها تدريجيا شيئا فشيئا حتى صارت نظاما متكاملا في التواصل بين الافراد ؟ أم اُنزلت من السماء هكذا دفعة واحدة ؟
ناقش فقهاء اللغة العربية وعلم الكلام الاسلامي هذه القضية تحت عنوان : اللغة هل هي اصطلاح أم توقيف؟ يعني هل اللغة وقفا منزلا من الله أم هي مصطلحات لفظية نشات في هذه الدنيا واكتسبها الانسان اكتسابا؟
وقد انقسموا فيما بينهم فمن قائل هي توقيف ووحي وإلهام، ومن قائل هي اصطلاح وتواضع وتواطؤ. ومنهم من جمع بين الرأيين، فقال هي توقيف وهي اصطلاح. أما ابن جني فيقول في كتابه الخصائص :" أكثر أهل النظر على أن اللغة إنما تواضع واصطلاح، لا وحي ولا توقيف". ويرد على من احتجوا من أهل التوقيف، بالآية القرآنية : "وعلم آدم الاسماء كلها" بقوله، وهذا لا يتناول موضع الخلاف. ويجوز أن يكون تأويله : أقدر آدم على أن واضعه عليها. " ص 99
وإذا سلمنا بان اللغة موضوعة، فالسؤال الذي يطرح نفسه فكيف اهتدى الانسان إلى ألفاظ اللغة؟ كيف نشات اللغة أول ما نشات؟ هنالك نظريات عدة عن أصل اللغة. أول هذه النظريات نظرية المحاكاة، محاكاة أصوات الطبيعة والاشياء. وتسمى هذه النظرية عند علماء اللغة المعاصرين اسما طريفا ، The bow-wow theory.
وكان ابن جني ورفاقه قد اهتدوا إلى هذه النظرية في نشاة اللغة، يقول:" وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو الاصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك، ثم تولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح، ومذهب متقبل". – الخصائص ص 99
وغير هذا هنالك العديد من النظريات في أصل نشأة اللغة لا نريد ان نخوض فيها هنا - وكلها فيما نرى تكمل بعضها - ولمن اراد الوقوف عليها فليراجعها في مظانها.
والقول بان اللغة تواضع وليس وحيا أو توقيفا، يترتب عليه القول بان معاني الالفاظ أيضا مكتسبة وليست أزلية بمعنى ان العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة عرفية يمليها العرف وليست منزلة من السماء. خذ مثلا لفظ شجرة في اللغة العربية، هل دلالته على الشيء المسمى شجرة دلالة طبيعية ذاتية ام ان العرف جعل الناس يطلقون على هذا الشيء اسم شجرة بحيث كان من الممكن ان يحل اي لفظ آخر محله للاشارة إلى الشيء المسمى شجرة؟
وقد ناقش علماء العربية هذه المسالة تحت عنوان مناسبة الالفاظ للمعاني. وخلصوا إلى أن العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة وضعية وليست طبيعة جوهرية ازلية. وشذ عنهم قوم منهم عباد بن سليمان من المتكلمين (نسبة إلى علم الكلام) وذهب إلى أن الالفاظ تدل على المعاني بذاتها، يقول: " بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية موجبة حاملة على الواضع أن يضع والا لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحا من غير ترجيح". ص 47 ولكنهم ردوا عليه لو أن اللفظ دل بذاته على معناه لفهم كل واحد منهم كل اللغات.- المزهر ص 16 و17
ويتوصل دي سوسير إلى ذات النتيجة التي توصل اليها علماء العربية من أن العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة وضعية لكنه يستعمل لفظا آخر أكثر جذرية ( إن لم نقل أكثر إثارة) حين يصف هذه العلاقة بالاعتباطية أو الجزافية . يقول: linguistic sign is arbitrary ويستدل على ذلك بذات الحجة التي استدل بها علماء العربية وهي أنه لو كانت دلالة اللفظ على معناه طبيعية لما اختلفت اللغات ولتحدث الناس لغة واحدة. ومعنى اعتباطية انه لا يوجد منطق يلزم ان توضع مثلا كلمة شجرة في العربية على ما سواها من الفاظ في الدلالة على الشجرة. يقول:
“There is no internal connexion, for example, between the idea sister and the French sequence sor. The same idea might as well be represented by other sequence of sounds.”
"لا توجد علاقة ذاتية جوهرية مثلا بين فكرة الأخت في الفرنسية والحروف المكونة لكلمة "سور" نفس الفكرة يمكن أن يمثل أو يرمز إليها بحروف أخرى". ص68
هذا، ويرى سوسير ان فكرة اعتباطية العلامة اللغوية، هي من البداهة بحيث لا أحد يمكن أن يجادل فيها. ويدلل على هذه البديهية بحقيقة الاختلاف بين اللغات وبتغير دلالة الالفاظ في اللغة الواحدة من عهد إلى عهد. ولكنا نرى أن لفظة arbitrary تبدو نافرة في هذا السياق لانها تتعارض مع فكرة كون أن اللغة نسق أو نظام، حسب تعريف سوسير نفسه. ولو انه استعمل كلمة عرضية incidental غير جوهرية (بالمعنى الفلسفي) أو عرفية conventional، لكان أنسب. نقول ذلك ولا ندري هل الكلمة الفرنسية المستعملة في النص الاصلي لها نفس وقع كلمة arbitrary الانجليزية.
وما يؤكد الحاجة إلى ما ذهبنا إليه، أن سوسير يستدرك في سياق حديثه عن اعتباطية العلامة اللغوية، أن القول باعتباطية العلامة لا يخول للمتكلم الحق في اختيار أو تغيير العلامة جزافا كفيما اتفق متى ما استقرت هذه العلامة (الكلمة) في المجتمع:
“The word arbitrary .., must not be taken to imply that a signal depends on the free choice of the speaker.., the individual has no power to alter a sign in any respect once it has been established in a linguistic community.”
وما دام الامر كذلك، فان كلمة اعتباطية تكون قد فقدت معناها ويستلزم ذلك أن تستبدل بلفظ أكثر مناسبة.
وتولد المعانى ناتج، حسب نظرية دي سوسير من اختلاف دلالة الالفاظ عن بعضها البعض في النسق او البنية الكلية للغة. فالشجرة هي شجرة لانها ليست بقرة أو بغلة. والاحمر أحمر لانه ليس أسود أو أخضر ألخ .. وهذه بداهة تعطيها الملاحظة العادية وليست في حاجة إلى بعد نظر أو طول تأمل. وقديما قيل: بضدها تتميز الاشياء.
ولكن مع ذلك توجد ألفاظ تدل بذاتها على معناها. وهي بالتالي تعد استثناء من قاعدة اعتباطية العلامة اللغوية حسب مصطلح سوسير. من ذلك الكلمات التي يتولد معناها من لفظها ووقعه في الاذن مثل كلمة رجّ وخجّ وأزيز وهسيس وخرير وغيرها في العربية. إضافة إلى ألفاظ التعجب والتاوه والتوجع إلخ .. وتسمي هذه الالفاظ في علم اللغة Onomatopoeic ولكن سوسير يرى ان نسبة مثل هذه الالفاظ الدالة بذاتها على معناها، قليلة لا تخل بالقاعدة العامة في اعتباطية أو جزافية العلاقة بين الالفاظ والمعاني.
وقد فطن علماء العربية إلى مثل هذه الالفاظ الدالة على معناه بذاتها والتي تعد استثناء من القاعدة العامة. يقول ابن جنيِّ: " قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا: صرَّ. وتوهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا: صرصر. وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على وزن الفعلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة، نحو النقزان، والغليان، والغثيان. فقالوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الافعال". – الخصائص.
ثم يضيف قائلا :" ووجدت أنا أن من هذا الحديث أشياء كثيرة .. وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير، نحو الزعزعة، والقلقة، والصلصلة، والقعقعة، والصعصعة، والجرجرة، والقرقرة. ووجدت أيضا (الفعلى) في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة، نحو: الشبكي، والجمزي والولقي.." الخصائص - ص505
إلا أن الاضافة المهمة التي تُعزى إلى دي سوسير وبسببها احتل هذه المكانة كمؤسس لعلم اللغة الحديث هي القول بان العلامة اللغوية (اللفظ ومعناه) تتكون من وجهين كوجهي الورقة الواحدة لا ينفصلان: هما: الصورة الصوتية sound pattern والصورة الذهنية concept . وبالتالي يصبح لدينا ثلاثة عناصر في عملية الترميز اللغوي : الصورة الصوتية ( الدال) والصورة الذهنية ( المدلول) والشيء او المسمى المشار إليه referent .
وبذلك صارت المسألة عنده اكثر تعقيدا إذ دخلها عنصر جديد هو الصورة الذهنية او السيكلوجية للمعنى. بعبارة أخرى أن اللفظ حسب سوسير لا يشير مباشرة إلى المسمى في الواقع. ولذلك فان سوسير يزعم ان العلاقة اصلا ليست بين العلامة اللغوية والشيء او الاسم وانما بين الصورة الصوتية وبين المفهوم او الصورة الذهنية للشيء التي تثيرها في النفس الصورة الصوتية. يقول:
A linguistic sign is not a link between a thing and a name, but between a concept and a sound pattern.
ومن شأن هذا التمييز الاجرائي بين اللفظ ومعناه من جهة والشيء او المسمى من جهة أخرى أن تثير بعض الاشكالات، من أبرزها انه قد يفهم منه أن المراد عزل اللغة عن الواقع. وذلك بالرغم من أن سوسير لم يهدف إلى ذلك مطلقا بل يؤكد دائما على الوظيفة الاجتماعية والتواصلية للغة باعتبارها الغرض الاساس من اختراع اللغة. ولكنه اقام هذا التمييز – فيما نرى، من باب الحرص على عزل العناصر الخارجية للغة بهدف دراسة اللغة دراسة علمية صارمة كنظام مستقل لاستنباط قواعد تصلح للتطبيق على دراسة أي لغة.
إلا أن المثير للدهشة أنني وجدت فريقا من علماء العربية قد أثار ذات المسألة وتوصل إلى ما توصل إليه سوسير في موضوع العلاقة بين الصورة الذهنية للفظ والشيء الدال عليه في الخارج ،حيث تسآءلوا: "هل الالفاظ موضوعة بإزاء الصور الذهنية- أي الصورة التي تصورها الواضع في ذهنه عند إرادة الوضع- أو بازاء الماهيات الخارجية ؟
يذهب فخرالرازي وأتباعه إلى ان الالفاظ موضوعة إزاء الصورة الذهنية وليست بإزاء الماهيات(الأشياء) الخارجية. واستدلوا عليه بأن اللفظ يتغير بحسب تغير الصورة في الذهن. وأن اللفظ دائر مع المعاني الذهنية دون الخارجية فدل ذلك على ان الوضع للمعنى الذهني لا الخارجي. – المزهر ص 42
إلا ان بعضا من علماء العربية والمتكلمين رفضوا هذا التمييز بين دلالة الشيء وصورته الذهنية والشيء في الخارج وقالوا :" إن اللفظ موضوع بإزاء المعنى من حيث هو، مع قطع النظر عن كونه ذهنيا أو خارجيا، فإن حصول المعنى في الخارج والذهن من الاوصاف الزائدة على المعنى، واللفظ وضع للمعنى من غير تقييده بوصف زائد. ثم ان الموضوع له قد يوجد في الذهن فقط كالعلم ونحوه". - المصدر السابق ص 42
وفي سبيل وضع منهج صارم يصلح لدراسة اللغة أي لغة، يرى سوسير ضرورة عزل الكلام عن اللغة. قد يبدو هذا مستغربا لاول وهلة. وهل هنالك فرق بين اللغة والكلام، ما الكلام؟ أليس هو لغة؟ بلى ! الكلام لغة، ولا كلام بغير لغة. وهذا ما شدد عليه سوسير نفسه . ولكن الامر في غاية البساطة. فسوسير مهموم هنا بالعناصر التي تشكل هيكل اللغة وبنيتها وتهيأها لاداء وظيفتها. وليس مهموما بمضمون اللغة او ما تقوله اللغة فعلا. فذلك ليس مهما في تعقيد نظرية كونية لدراسة اللغة. وهو ينظر إلى الكلام بوصفه نشاط فردي متغيير بتغيير المواقف والافراد أما اللغة كنظام كلي تتمتع بثبات نسبي.
ولتقريب الصورة نقول أن العلاقة أشبه بعلاقة القماش بالملابس. فالكلام حسب سوسير، اداة اللغة ومنتوجها. ولكن تاريخيا الكلام له الاسبقية على اللغة وهو الذي يدفع بحركة نمو اللغة و تطورها. أو بعبارة سوسير بالانجليزية:
Historically, speech always takes precedence. It is speech which causes a language to evolve.”
ومثلما ميز دي سوسير بين اللغة والكلام، ميز علماء العربية كذلك بين الكلام واللغة من خلال تميزهم بين مفردات اللغة والتراكيب (الجُمل). فالتراكيب والجمل اي انشاء الكلام، يرجع، في نظرهم إلى المتكلم. ودلالة الكلام حسب فخر الدين الرازي عقلية لا وضعية. قال الزركشي في بيان ذلك : " لا خلاف أن المفردات موضوعة واختلفوا في المركبات فقيل ليست موضوعة. وما ذاك الا لان الامر فيها موكول للمتكلم. واستدلوا على هذا الراي بقولهم لو كان الكلام دالا بالوضع وجب ذلك فيه ولم يكن لنا ان نتكلم بكلام لم نسبق اليه كما لم نستعمل من المفردات الا ما سبق استعماله وفي ذلك عدم برهان على ان الكلام ليس دالا بالوضع" . المزهر - ص 43
وتأييدا لذلك قال آخر: واضع اللغة لم يضع الجُمل كما وضع المفردات، بل ترك الجُمل إلى اختيار المتكلم. يبين ذلك أن حال الجمل لو كانت حال المفردات لكان استعمال الجمل وفهم معانيها متوقفا على نقلها عن العرب كما كانت المفردات. كذلك لوجب على أهل اللغة ان يتتبعوا الجمل ويودعوها كتبهم كما فعلوا ذلك بالمفردات. ص 40 ،41
هذا، وقد استغلت بعض التيارات لا سيما في الادب والنقد، مثل البنيوية والتفكيكية، نظريات دي سوسير المشار إليها وبخاصة فصله بين الكلام واللغة وتميزه بين العلامة اللغوية والشيء في الخارج وذلك لاغراض بحثية ومنهجية بحتة، وذهبت بها مذاهب أبعد، وصرفتها عن وجهتها وعن المراد منها. ولذلك انتهت البنيوية إلى عزل النص عن سياقاته الخارجية ومضمون رسالته، بينما فصلت التفكيكية بين وجهي العلامة اللغوية أي بين الدال والمدلول، بين اللفظ ومعناه، وبذلك جردت اللغة من وظيفتها التواصلية والمعرفية.
المصادر:
1- أبو الفتح عثمان بن جني ، الخصائص، الجزء الاول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2001
2- عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها ،الجزء الاول، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
3- F. de Saussure, Course in General Linguistics, Translated by Roy Harris, Duckworth ,London, 1998
الاتصال
الاتصـالات تبادل المعلومات، أو توفير التسلية عن طريق الكلام أو الكتابة أو أية وسائل أخرى، وربّما كانت أهم أنواع الاتصالات هي الاتصالات الشخصية التي تحدث عندما يُعبِّر الناس عن أفكارهم ورغباتهم بعضهم لبعض. ويتصل الناس بعضهم ببعض من خلال طرق عديدة، ومن ذلك: الكلام، وتحريك أياديهم، وحتى تعبيرات وجوههم. ويستخدم الناس المكالمات الهاتفية، والخطابات للاتصالات الشخصية. ولولا الاتصالات الشخصية، لَما عرف الآباء احتياجات أبنائهم، ولما استطاع المدرسون مساعدة تلاميذهم على التعلم، ولما استطاع الأصدقاء التنسيق مع أصدقائهم، ولما استطاع الناس المشاركة في المعرفة، ولكان ضروريًا أن يتعلم كل شخص كل شيء بنفسه، ولما أمكن للبشر في أغلب الحالات أن يحيوا لفترة طويلة بإذن الله.
ويتم نوعٌ آخر مهم من الاتصالات، عندما تُبعث الرسائل إلى جمهور كبير. ويُسَمى هذا النوع الاتصال الجماهيري. وتعد الكتب إحدى أقدم وسائل الاتصال الجماهيرية، كما يعد التلفاز واحدًا من أحدثها. وتعتبر الجرائد والمذياع وسائل أخرى يمكن عن طريقها إرسال المعلومات إلى العديد من الناس. وكما أن البشر تصعب عليهم الحياة بدون الاتصالات الشخصية، فكذلك الدول لاتستطيع الاستمرار في الوجود بغير وسائل الاتصالات العامة. فأخبار نتائج الانتخابات، أو أخبار الزلازل، أو الأحداث المهمة الأخرى يمكنها أن تنتشر وتصل إلى أعداد هائلة من الناس في دقائق من خلال وسائل الاتصالات العامة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)